مقال: شكل الحكم في سوريا بعد الثورة… رؤية مبسطة
مع انتهاء حقبة النظام السابق في سوريا، تتزايد التساؤلات حول شكل الحكم المستقبلي للبلد. قد يبدو الموضوع معقدًا، لكن الواقع أبسط مما يعتقد الكثيرون، ولا يتطلب تحليلًا سياسيًا أو استراتيجيًا عميقًا.
التكوين الاجتماعي والديني في سوريا
المكون الأساسي للمجتمع السوري يتألف من 70-80٪ من المسلمين السنة. سواء أحببنا هذا الأمر أم لا، فإن الشارع السوري هو الذي يعكس هذه اللغة. بناءً على ذلك، من المتوقع وبشكل مشروع أن نصل إلى حكم يحمل صبغة إسلامية في الفترة القادمة.
ومع ذلك، علينا أن نتذكر أن أكثر من نصف هذا المكون لم يغادر البلاد، وما زال متأثرًا بالعزلة التي فرضها النظام السابق لعقود طويلة، مما يعني أن الفرصة لتجربة أشكال اجتماعية أو ثقافية مختلفة قد تكون محدودة في البداية.
اللاجئون والسوريون في الخارج
بالنظر إلى السوريين في المهجر، نجد انقسامًا واضحًا:
1. قسم يدعو إلى نظام مدني أو علماني بالكامل.
2. قسم آخر يرى أن الأنظمة الغربية تعيش في كذب وعبودية خفية بشكل ألطف ربما، لكن خلف مسميات كبيرة وقيم خلّبية.
هذا التنوع في الرؤى يعكس مدى التباين في تجارب السوريين خارج وطنهم.
تنوع سوريا بين الوحدة والحكم المدني
سوريا بلد متنوع بطبيعته، يحتوي على أديان وطوائف لا مثيل لها في أي دولة أخرى. ومع وعد الحكومة المؤقتة بعدم تقسيم البلاد، واهتمامها بإعادة اللاجئين ورفع العقوبات، فمن المرجح أن يتجه شكل الحكم إلى صبغة إسلامية ذات طابع مدني، مشابهة للكثير من الدول الأخرى حول العالم.
نظام الحكم المدني ذو الخلفية الدينية ليس جديدًا؛ فمثلًا في أيرلندا، كان نظام الحكم قائمًا على المسيحية الكاثوليكية، ولكنه تطور تدريجيًا ليصبح أكثر مدنية. واليوم، تعتبر أيرلندا من الدول التي تقدم عدالة وفرصًا متساوية للجميع بشكل كبير.
المشكلة ليست في شكل الحكم
الجدل حول ما إذا كان الحكم مدنيًا أو إسلاميًا أو علمانيًا ليس المشكلة الأساسية. لكل من هذه الأنظمة إيجابيات وسلبيات. التحدي الأكبر والأهم هو القضاء على الفساد الذي كان متفشيًا في سوريا سابقًا على جميع المستويات: المالي، الأخلاقي، والاجتماعي.
ما يهم حقًا هو الحكومة ومن يديرها. إذا كانت النوايا صادقة وتتمتع بالشفافية، فإن شكل الحكم سيصبح أمرًا ثانويًا، وسيعمل الشعب والحكومة معًا لتطوير البلاد.
الحكومة المؤقتة: بادرة أمل؟
كلنا نعرف جيدًا ما عشناه في سوريا تحت حكم النظام السابق. بعيدًا عن إجرامه الواضح، كان هذا النظام غير مستعد لتقديم أي تغيير حتى في أصغر التفاصيل. كان أشبه بكتلة ثقيلة جاثمة على صدورنا، ترفض التحرك أو التطور، مما أدى إلى حالة من الجمود الشامل التي أثقلت كاهل الشعب وأعاقت أي تقدم.
حتى تاريخ اليوم، 29 ديسمبر 2024، أثبتت الحكومة المؤقتة استجابة جيدة لمتطلبات الشعب. التغيير يحدث بوتيرة إيجابية حتى الآن، وهذا أمر يبعث على التفاؤل. لكن التحدي الحقيقي يكمن في قدرة الحكومة على الاستماع والحوار مع جميع فئات الشعب وحتى أصغر مكون منها، لضمان عدم تكرار أخطاء الماضي.
ختامًا:
شكل الحكم المستقبلي في سوريا، سواء كان ذا صبغة إسلامية أو مدنية أو علمانية، ليس هو القضية الأهم. ما يجب التركيز عليه هو بناء حكومة تحترم احتياجات الشعب وتعمل بشفافية وصدق لتطوير البلاد, وأعتقد أن الشعب أصبح أكثر وعيًا ومتأهبًا لأي محاولات للتلاعب أو المراوغة.
فقط عندما نضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، يمكننا ضمان أن التضحيات التي قُدمت لم تذهب هباءً، وأن سوريا ستعود أقوى وأكثر عدلًا للجميع.
التفاعل