“حرية من” أم “حرية”؟

عبر تاريخ الثورات، كان شعار “الحرية” دائمًا الحاضر الأكبر في مطالب الشعوب. ومع الثورة السورية، لم يختلف الأمر؛ فقد كانت كلمة “حرية” هي الهتاف الأول الذي عبّر عن طموح شعب عانى لعقود من القمع والاستبداد. لكن مع تطور الأحداث، يمكننا أن نرى بوضوح وجود نوعين من التوجهات بين مؤيدي الثورة:

1. الحرية من الاستبداد:

تمثل هذا التوجه في السعي للتخلص من نظام الأسد والاستبداد السياسي الذي خنق البلاد لعقود. هذه الخطوة ضرورية ومهمة، فهي البداية لتحرير الوطن من الطغيان. لكنها ليست النهاية؛ لأن الاقتصار على هذه المرحلة فقط قد يعيدنا إلى نفس النقطة التي بدأنا منها. قد نُسقط ديكتاتورًا، ولكن إذا لم نكن حذرين، فقد نجد أنفسنا أمام ديكتاتور آخر، ربما أكثر ليونة في البداية، لكنه يبقى طاغية.

2. الحرية كقيمة مطلقة:

هذا النوع من الحرية يتجاوز مجرد إسقاط الأنظمة، ليصل إلى بناء مجتمع واعٍ ومسؤول. الحرية هنا ليست مجرد شعارات، بل مسؤولية تُبنى على وعي عميق وإخلاص للحق. إنها حالة من اليقظة المستمرة التي تحمي المجتمع من العودة إلى الاستبداد بأي شكل كان.

المرحلة المفصلية: مسؤولية ما بعد الطغيان

مع سقوط النظام، تبدأ المرحلة الأهم: بناء مفهوم الحرية الحقيقي. هذه الفترة حرجة ومفصلية، تتطلب وعيًا عميقًا لتجنب الوقوع في الأخطاء نفسها التي قد تؤدي إلى استبدال قمع بقمع آخر. يجب أن نسأل أنفسنا دائمًا: هل نحن نتصرف بناءً على وعي وقيم حقيقية أم أن شعارات الحرية أصبحت وسيلة لتحقيق أهداف شخصية؟

الحرية أمانة وليست شعارًا

بعد سنوات من التضحيات والنضال، لم تعد لدينا أعذار. علينا أن نحاسب أنفسنا على كل خطوة نخطوها. الحرية أمانة كبيرة، وقدرتها على البقاء تعتمد على وعي الناس بها. إذا لم نكن صادقين وحذرين، فإن هذه الحرية يمكن أن تضيع بسهولة، خاصة إذا استسلمنا للإغراءات الشخصية أو الانقسامات الداخلية.

ختامًا: لحظة الحرية الحقيقية

الحرية ليست مجرد التخلص من نظام ديكتاتوري؛ إنها حالة من التغيير الجذري في الفكر والسلوك. إنها لحظة الصدق مع الذات ومع المجتمع، لحظة بناء قيم جديدة تحترم كرامة الإنسان وتضمن استمرارية العدل.

علينا أن ندرك أن كل قرار نتخذه اليوم سيحدد ملامح مستقبلنا. الحرية ليست مجرد مطلب، بل مسؤولية عميقة تتطلب الالتزام والعمل المستمر لبناء مجتمع أفضل وأكثر إنسانية.

مقالات ذات صلة

التفاعل

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *